بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط عالم الفلاحة على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط عالم الفلاحة على موقع حفض الصفحات
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 12 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 12 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 316 بتاريخ الأحد أكتوبر 20, 2024 12:08 pm
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
كايرو تريد جروب | ||||
شركة الجوهرى | ||||
كايرو تريد جروب للتجارة | ||||
Admin | ||||
كايرو تريد | ||||
elgohary | ||||
شركه الجوهري للتنميه | ||||
cairotr | ||||
فوفوكوكو77 | ||||
daltex |
الزراعة عند العرب
صفحة 1 من اصل 1
الزراعة عند العرب
مقدمة:
لا ينكر فضل العرب على الأمم لما قدموه من علوم مختلفة ساعدت على بناء الحضارة الإنسانية الحالية. فمن العلوم التي اهتم العرب وأبدعوا فيها هو علم الزراعة الذي أثبت العلم الحديث صحة وأهمية المعلومات والنظريات التي ذكرها العلماء العرب في مؤلفاتهم. وهذا يدل على أن العرب هم أول من فكر بأن الزراعة ليست مجرد وضع البذور في الحقل والانتظار لحين الحصول على المحصول بل يتعدى إلى أبعد من ذلك بكثير أي كل مالـه علاقة بالإنتاج النباتي والحيواني. ومن الأمور الجليلة للعرب أنهم أول من اعتبر الزراعة عدة علوم وليس علم واحد قائم بذاته، بالرغم من أن هذا الرأي ابتدأ العمل به منذ القرن التاسع عشر في الغرب والادعاء به لنفسه، وعليه سنحاول في هذه المقالة توضيح ذلك من خلال استعراض ما قدمه العرب في مجال الزراعة.
2ـ بدايات الزراعة عند العرب قبل الميلاد:
ظهرت الزراعة قبل ما يزيد على 8000 سنة وتطورت في عدة أماكن من الوطن العربي (كالجزيرة العربية، وبلاد مابين النهرين، ووادي النيل، وبلاد الشام)، ففي سهول هذه الأماكن وتحت ظروف المناخ الجاف بدأ أجدادنا العرب باستغلال التربة لانتاج المحاصيل الزراعية عن طريق بعض الزراعات المروية.
وتشير الآثار الحضارية أن الإنسان العربي ومنذ فجر التاريخ كان بارعاً بالزراعة والأسس التي تحتاجها كأدوات الحراثة والإرواء، فلقد اخترع المحراث الأول والباذرة اللذان مهدا إلى ظهور المدنية والتطور الحضاري في الوطن العربي، وكان الإنسان العربي أول من استنبط أفضل سبل الزراعة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج، ولم يكتف بهذا الحد وإنما أخذ يحاول فهم ما يحدث في الأرض والنبات والمناخ من عمليات تؤثر على الإنتاج الزراعي، ونتيجة لذلك أصبحت قطاعات كبيرة من المجتمع جاهزة لأن تقوم بأعمال أخرى غير الزراعة، كالعمران، والتجارة، والصناعة، والحرف الأخرى، وهذه الأعمال أدت إلى بزوغ شمس الحضارة.
واستطاع الإنسان العربي أن يصمم ببراعة حدائق عظيمة وصفها الرحالة والعلماء اليونانيون قبل العرب كحدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع وحدائق اليمن التي ذكرها القرآن الكريم.
لقد دلت الأبحاث العلمية والمستندات الأثرية أن الجزيرة العربية منذ عشرة آلاف سنة لم تكن صحراء قاحلة ورمالاً حارقة بل كانت أنهاراً وغابات وبساتين حافلة بالسكان تنعم بمدنية وتجارة عظيمة وزراعة كثيفة وافرة. ويؤيد هذا الاستنتاج ما ورد في كتب الرحالة والمؤرخين اليونان والرومان من وجود أنهار طويلة في بلاد العرب كالذي ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت ودعاه (كورس) وما ذكره بطليموس وسماه (لار).
وفي بلاد مابين النهرين أظهرت إحدى الرسوم المنقوشة على الحجر محراث مثبت خلف عموده أنبوب ذو فوهة علوية واسعة تصب فيه البذور فيصل قعر الشق الذي يحدثه المحراث في الأرض، وهذا هو الأساس العلمي نفسه للباذرة الحديثة.
وتبين في السنوات الأخيرة أن سورية كانت واحداً من أهم مواطن نشوء الزراعة، إذ تشير الدراسات العلمية التي أجريت على نوى حبوب اللقاح، وغيرها من الشواهد، إلى حدوث ارتفاع في درجة حرارة الجو وزيادة في هطول الأمطار خلال الفترة المتأخرة من مرحلة العصر الحجري القديم، منذ ما يقرب من 15000 سنة من الوقت الحاضر. وتدل الشواهد الأثرية على أن أعداداً من السكان راحت تتزايد في الوقت ذاته تقريباً، إذ كان في سورية منطقتان، على الأقل، شهدت تطور الزراعة، وهما: وادي الفرات الأوسط، وحوض دمشق، ونحن نستمد الكثير من المعلومات عن هذه المرحلة من المواقع التي كشفت عنها حفائر "مشروع إنقاذ آثار الفرات" التي أجرتها الدائرة العامة للآثار بسورية.
3ـ الزراعة قبل الإسلام:
لم يقف سكان الجزيرة العربية ـ قبل الإسلام ـ مكتوفي الأيدي أمام التبعية لعوامل الطبيعة، فقد عملوا بدأب ونشاط، رغم المعوقات الطبيعية والاجتماعية والسياسية، على توسيع أعمال الري الاصطناعي، فحفروا الآبار في الوديان والواحات وبعض السهول الساحلية لاستثمار مياه الموارد الجوفية القريبة من سطح الأرض، وأقاموا الحواجز في مواضع تجمع مياه الأمطار في الأودية لتوزيع مياهها في أوقات معينة وبالحصص على المزارعين، وأنشاوا السدود ورمموا المتصدع منها، وشقوا أقنية ومجاري خاصة لأخذ مياه العيون والآبار والسدود لري الحقول والبساتين. وبذلوا ما وسعهم الجهد، في استثمار إمكانات التربة الخصيبة، حيثما توافرت. فأقاموا المدرجات على سفوح جبال اليمن لمنع التربة من الانجراف وابقائها صالحة للزراعة. واستغلوا أرض يثرب (المدينة المنورة) ذات التربة البركانية الغنية وحولوها إلى واحة طبيعية لزراعة النخيل والشعير، إذ كانت أرض يثرب ومنطقتها تقوم على الري الاصطناعي بصورة رئيسة، ذلك لأن الأمطار تسقط دون انتظام وفي فترات قصيرة، ولكنها تهطل بغزارة فتحدث سيولاً، وكان في المدينة شبكة ري واسعة، تقوم على استثمار المياه السطحية والجوفية، ممثلة في منظومة الأودية والآبار والحواجز والمجاري الاصطناعية. وتستخرج المياه من الآبار بالدلاء التي تسمى "السانية"، إذ كان الزراع العرب يستخدمون الثيران والجمال والحمير في متح الماء بالدلاء من الآبار الكبيرة الواسعة لري البساتين والحقول.
وكانت اليمن المنطقة التي تقدمت فيها الزراعة أكثر منها في أية منطقة أخرى. والحياة الحضرية في اليمن قديمة، تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد. وقد دعيت اليمن ببلاد العرب السعيدة وبـ" الخضراء" عند الجغرافيين العرب، وذلك لكثرة مزارعها ونخيلها وأشجارها وأثمارها ومراعيها ومياهها. وكانت الزراعة في اليمن تعتمد على مياه الأمطار والري الاصطناعي. ومما ساعد على رفع مستوى الزراعة وازدهارها في اليمن بناء منظومة واسعة من السدود والأحواض لحفظ مياه الأمطار الموسمية الصيفية الغزيرة وتوزيعها على الحقول والبساتين عند الحاجة. ويذكر الهمداني أن مخاليف اليمن ثمانين سداً أشار إليها بعض الشعراء بقوله:
وبالبقعة الخضراء من أرض يحصب ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً
ويعد سد مأرب العظيم من أهم موارد السدود التي اكتسبت شهرة في تاريخ اليمن والجزيرة العربية حتى اليوم، إذ كان يشكل العمود الأساسي لتنظيم الري الاصطناعي ولتطور الزراعة الكثيفة في العربية الجنوبية، وقد بني هذا السد بوادي "أذنة" لحفظ مياه الأمطار والسيول للإفادة منها في إرواء أراضٍ واسعة خصبة التربة، ولوقاية المزارع والقرى من أخطار السيول الجارفة. وقد عبر القرآن الكريم عن ازدهار الزراعة في اليمن نتيجة لبناء منظومات السدود والأحواض، بوصفه مسكن سبأ بأنه:" جنتان عن يمين وشمال" /سورة سبأ الآية15/. واشتهر اليمنيون بزراعة الحبوب والورس والسمسم والنخيل والكروم والأشجار المثمرة: كالرمان والأجاص والخوخ الحميري والقطن والخضر وغيرها.
واشتهرت وادي حضرموت وظفار بإنتاج اللُبان (البخور)، إذ كان الناس يزرعون هذه الأودية حيث يحفرون آباراً في قيعانها فيظهر الماء على أبعاد متفاوتة. وفي عُمان، انتشرت الزراعة في سهل الباطنة الساحلي، وفي واحات السفوح، وفي بعض الوديان الخصيبة التي تخترق نجد عُمان، ومما ساعد على ذلك وفرة المياه الجوفية كثيراً على سطح الأرض أو تستثمر بوساطة حفر الآبار التي تسمى "الأفلاج".
وكانت الطائف ذات مياه كثيرة وغزيرة، وتربتها خصبة، ومناخها لطيف في الصيف لارتفاعها وتفتحها للرياح الشمالية، وقد ساعدت هذه العوامل على قيام نشاط زراعي واسع، إذ اعتمد سكانها على الزراعة البعلية والمروية، واتخذوها مهنتهم الرئيسة، فزرعوا الحبوب والفواكه والموز والنخيل والكروم والبطيخ وغيرها، ولذلك لقبت الطائف بمدينة البساتين.
ومما يجدر ذكره أن أهل مكة المكرمة أنفسهم كانوا يملكون مزارع وحدائق وحوائط وآبار في المناطق المجاورة لها وخاصة منطقة الطائف والوديان الموجودة بين مكة وجدة التي كانت المزروعات تجود فيها.
واشتهر الأنباط بحفرهم الآبار، ولكن مياه الآبار كانت تكاد تكفي لشرب البشر وسقي المواشي. وهذا مادعا لإقامة بعض السدود الصغيرة على السيول والأنهار وإنشاء الأقنية والنواعير.
4ـ الزراعة في صدر الإسلام والعصر الأموي:
من الأقوال المأثورة التي قالها أحد المؤرخون الغرب عن العرب المسلمين الفاتحين، أنهم يهتمون عند فتح البلاد بشيئين في وقت واحد هما: " بناء المسجد وتنظيم الحقل ". و قال آخر " العرب عمال زراعة ورجال براعة، برعوا في سقي الجنان واخترعوا النواعير العجيبة، بل ووطنوا النباتات والأشجار الأفريقية والآسيوية في أوربا". لذلك فإن كل بلد فتحها العرب المسلمون اهتم فيها ولاتها بالزراعة والاقتصاد، وليس عجباً أن نرى تقدم هذه البلاد وانقلابها من خراب وفقر إلى حدائق غنّاء.
ولذلك قام المسلمون الأوائل في كل مكان بإنشاء جنات دنيوية يلمح فيها بريق الفردوس السماوي ونضارته التي وعد الله بها عباده الصالحين.
لقد بدأ الاهتمام الفعلي بالجوانب المختلفة للزراعة منذ استقرار الرسول العربي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، إذ أولى عناية فائقة لجوانب العملية الزراعية المختلفة، مثل المياه ووسائل السقي وإحياء الأرض، منطلقاً من توجهات القرآن الكريم، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من أحاديثه الكريمة إلى العناية بالزراعة والغرس، ومن ذلك قوله:" مامن مؤمن يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو بهيمة إلا كان لـه به صدقة"، "من أحيا أرضاً ميتة فهي لـه، ليس لعرق ظالم حق" /الترغيب والترهيب للمنذري/.
كما فرض الرسول عليه الصلاة والسلام على أهل اليمن فيما سقت السماء أو سقي غيلاً السيح والغرب الدلو. وبطبيعة الحال كان الاهتمام منصباً بالدرجة الأولى على القواعد والأسس العامة دون إهمال علاج الوقائع الجزئية بالتشريعات المناسبة. وقد حمل هذا المؤمنين على الاعتناء بأراضيهم الزراعية واستخراج خيراتها، فكانت الدولة توجه أكبر عنايتها إلى وسائل الريَ، فهي التي تنشئ القنوات وتبني السدود، وتسد ما يحدث من صدوع في سُرر الأنهار، وكانت منطقة الجزيرة في شمال العراق تعتمد في الري على مياه الأمطار، أما منطقة حرَان في الجزيرة الفراتية فحفر أهلوها بمعونة الدولة بعض الآبار الاصطناعية لإرواء مزارعهم، وأما منطقة الخابور فأفادت الكثير مما جرى في أرضها من العيون. وكان عمرو بن العاص لما فتح مصر شق بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب قناة بطول يقرب من مائة وخمسين كيلومتراً، كما بنى مقياساً للنيل بأسوان وآخر بدندرة، وظلت الحال على ذلك حتى دخلت مصر في طاعة الأمويين، فبنى عامل مصر من قبل الخليفة معاوية بن أبي سفيان مقياساً بأنصنا، وبنى عبد العزيز بن مروان مقياساً في حلوان، أما مقياس الروضة فيرجع إلى سنة(97هـ)، وذلك في عهد ولاية أسامة بن زيد، وقد جدد الخليفة المتوكل العباسي هذه المقياس في سنة (247هـ). ومقياس الروضة هو عبارة عن عمود من رخام أبيض مثمن الأضلاع، في موضع يصل إليه الماء عند انسيابه، وينقسم إلى اثنين وعشرين ذراعاً، والذراع مقسم إلى 24 إصبعاً، أما الإثنا عشر ذراعاً الأولى، فإن كل ذراع منها ينقسم إلى 28 إصبعاً.
وبلغ من عناية النظام الإسلامي بالزراعة والفلاحة أنه في حركة الفتوح على عهد الراشدين ومن بعدهم لم يتعرَض للفلاحين بشيء من الضرائب، فهذا أبو بكر عندما وجه خالد بن الوليد إلى فتح العراق يوصيه بألا يأخذ من الفلاحين والزرَاع أي شيء من المال، بل يقر الذين لم يحاربوا منهم ويكفل حمايتهم وحماية أراضيهم. وهذا عمر لما أمر عثمان بن حَُنيف وحذيفة بن اليمان بمساحة السواد، راعى في كل أرض ما تحتمله، ثم ألغى ضريبة النخل والكرَْم والرطاب وكل شيء من الأرض، كما يقول أبو يوسف في الخراج عوناً للفلاحين. ووجد عمر في العراق والشام بعد الفتح كثيراً من الأراضي التي جلا عنها أهلوها، فبقيت دون مالكين، فقرر اعتبارها "صوافي" تضم إلى بيت المال، وأنشأ يقتطعها لمن يتعهدها بالزراعة والغراسة، فسميت بالقطائع. ويبدو حرص الخلفاء على تنمية الزراعة من خلال رغبتهم الشديدة في استغلال الأراضي الزراعية وعدم تعطيلها، فلئن أقطع عثمان بعض هاتيك الأراضي فلأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها، ولهذا شرط على من أقطعها إياه أن يأخذ منه حق الفيء، كأنه جعل إقطاعه بمثابة الإجارة لا التمليك.
وفي العصر الأموي، اهتم خلفاء بني أمية بمسح الأراضي البائرة وبناء القناطر والجسور والسدود وإنشاء طواحين ونواعير الماء، ونشر عدد كبير من المحاصيل الزراعية الجديدة، وخاصة الحمضيات والقطن وقصب السكر والذرة البيضاء وأنواع الحبوب والبقول والأشجار المثمرة والكرمة والفستق والزيتون والنخيل، وبنوا في الريف والبادية قصوراً لهم، أحاطوها بالحدائق والبساتين، وغرسوا فيها مختلف أنواع النباتات المثمرة والمزهرة، واتخذ العرب في أيامهم الضياع وعمروا الأراضي الزراعية. فقد ساعدت الظروف المواتية ـ في عهدهم ـ الناس على الاعتناء بزراعة الأراضي وغراستها، اقتداءً بالخليفة الأموي الأول معاوية الذي لم يكتف بالبلقاء، وهي مزرعة كبرى كانت لأبيه من محصول تجارته في الجاهلية إلى بلاد الشام، بل راح يشتري من اليهود أراضيهم في وادي القرى، وينمي ممتلكاته الزراعية بوساطة إحياء الأراضي الموات.
وأصدر يزيد بن معاوية أمراً بشق قناة تصل نهر بردى بالأراضي العالية الواقعة شمال وشرق مدينة دمشق سميت باسمه. وفي خلافة هشام بن عبد الملك(105ـ125هـ) اهتمت الدولة بالخراج وإحصاء وارداته بدقة بالغة، ففي مصر مثلاً قام عبيد الله بن الحبحاب بتقدير ما يركبه النيل من عامر وغامر،لمساحة الأراضي وتحديد وظائفها، وإذا بهذه الأراضي تضرب بعد مساحتها رقماً قياسياً اقرب إلى الخيال، إذ بلغت مائة ألف ألف فدان ( الفدان يساوي تقريباً نصف هكتار). وفي العراق وجه الوالي خالد بن عبد الله القسري(105ـ120هـ) جلَ عنايته إلى الزراعة، فحفر الأنهار مثل نهر الجامع، وأصلح الجسور، وأقام القناطر مثل قنطرة الكوفة وقنطرة دجلة، وأنشأ السدود لمنع مياه دجلة من الفيضان. ومن الظواهر المهمة على عهد بني أمية أن القطائع قد كثرت وتنوعت، وأمست الأراضي الزراعية ملكاً أو كالملك لبعض الأشخاص والأسر بعد أن كانت من قبل ملكاً للدولة أيام الفتوح.
وكان لغوطة دمشق حظ وافر من عناية الأمويين، فنزلها رجال منهم وعمروا فيها القصور، وأنشئوا فيها البساتين والجنان المونقة ، وشقوا فيها الجدوال وعنوا باستثمارها واستنباتها، وكان معاوية بن أبي سفيان يقيم أحياناً بالغوطة. وقد تغنى بها الشعراء، وأعجب بها القاصدون إليها، حتى قال الخوارزمي: " إن جنان الأرض أربع : صغد سمرقند، ونهر الأبلة، وشعب بوان، وغوطة دمشق "، قال: أنه زارها كلها فكان في رأيه فضل غوطة دمشق على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن. وقال: " كأنها الجنة وقد زخرفت وصورت على وجه الأرض ".
وقد اشتهرت الغوطة بكثرة مياهها وتنوع أزهارها, وتنسيق بساتينها، قال عنها القزويني: " وهي كثيرة المياه، نضرة الأشجار، متجاوبة الأطيار، مونعة الأزهار، ملتفة الأغصان، خضرة الجنان، كلها بساتين وقصور، تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ومياهها خارجة من تلك الجبال .. والغوطة كلها أنهار وأشجار متصلة".
5ـ الزراعة في العصر العباسي:
وجه خلفاء وأمراء وولاة العصر العباسي عنايتهم على تشجيع الزراعة، فنشطوا في حفر الترع والمصارف وإقامة الجسور والقناطر، وكانت الأراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات من أخصب بقاع الدولة العباسية. وكانت الحكومة تشرف على إدارتها إشرافاً مباشراً، وتعمل على تحسين زراعتها وتنمية مواردها. وامتدت في هذه الأراضي شبكة من القنوات والمصارف، حتى أصبحت قوية الخصب، تكثر بها المزارع والبساتين، وكانت تعرف بأرض السواد لكثرة مابها من الشجر والزرع والخضرة. ولما كان ماء الفرات لا يكفي لري أراضي السواد أو يساعد على خصبها، عمل أبو جعفر المنصور على تنظيم وسائل الإرواء بشق كثير من الجداول والقنوات، على حين أمكن الاحتفاظ بماء دجلة لإرواء الأراضي الواقعة على شاطئه الغربي وعلى ساحل الخليج العربي، كذلك مد المنصور قناة من نهر دجيل الذي يأخذ ماءه من دجلة وقناة أخرى من كرخايا الذي يأخذ ماءه من الفرات، ووصلهما بمدينة بغداد في عقود محكمة بالصاروج(وهو حجر كلسي) والآجر. فكان ماء كل قناة منها يدخل المدينة وينفذ في الشوارع والدروب والأرباض، ولا ينقطع صيفاً ولا شتاءً. وفي عهد هارون الرشيد قام وزراؤه بتحقيق رغباته في الإصلاح الزراعي إلى أبعد حد ممكن، فاحتفر وزيره يحيى نهر القاطول، واستخرج نهراً دعاه أبا الجند أنفق عليه عشرين ألف ألف درهم، وأمر بإجراء القمح على الحرمين، وبنى الحياضات والرباطات، وبلغت موارد الدولة في عهده " في كل سنة نحواً من خمس مائة ألف درهم من الفضة وعشرة آلاف ألف دينار من الذهب" حتى قالوا: إن الرشيد كان يستلقي على ظهره وينظر إلى السحابة المارة ويقول:" اذهبي حيث شئت فإن خراجك آت إليَ". ومن مظاهر اهتمام العباسيين بالزراعة كثرة الضياع، فكانت الضياع الخاصة، والضياع العباسية، والضياع الفراتية، والضياع المستحدثة، وحسبك أن الخيزران أم الهادي والرشيد كان لها من غلال ضياعها مائة ألف ألف وستون ألف ألف درهم.
وقد قامت عنى خلفاء بني العباس بالزراعة وفلاحة البساتين على دراسة عملية، بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها أثر كبير في إنارة عقول المسلمين، فتوسعوا في البحث النظري ودرسوا أنواع النباتات وصلاحية التربة لزراعتها، واستعملوا الأسمدة المختلفة لأنواع النبات. وسار الخلفاء العباسيون على سياسة حكيمة ترمي إلى عدم إرهاق المزارعين بالضرائب، وعنى بعض هؤلاء الخلفاء بوضع قواعد ثابتة لأنواع الخراج بحسب نوع المحصول وجودة الأرض، وراعوا خفض الضرائب إذا قل المحصول لسبب من الأسباب.
ولما كانت الزراعة تعتمد على الري، عني العباسيون بتنظيم أساليبه، وجعل الماء مباحاً للجميع، ولذلك عملوا على تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر. وبلغ هذا النظام شاناً بعيداً من الدقة، حتى أن الأوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النظم في بلادهم. كما عنيت الدولة العباسية بصيانة السدود والقنوات، وجعلوا عليها جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم المهندسين، ومهمتهم المحافظة على هذه السدود خشية انبثاق الماء منها. وقد جعل العباسيون لماء الري بمرو ديواناً أطلقوا عليه "ديوان الماء"، ويشرف على هذا الديوان موظف كبير يعاونه أكثر من عشرة آلاف عامل، وتودع في سجلاته مقادير خراج الأراضي على حسب نوع ريها، كما كانوا يعنون بإقامة مقاييس على الأنهار للوقوف على مقدار ارتفاع الماء وانخفاضه للاستئناس بذلك في فرض الضرائب. وكذلك كان العباسيون يعنون بحراثة الأرض وتسميدها واستخدموا لذلك الأبقار واهتموا بتربية الحيوانات، وخاصة البقر والجاموس الذي جلبوه من الهند، وتفريخ الدجاج وتربيته وحفظ الحمام في أبراج لوقايته من الأفاعي. والمحافظة على الثمار وحفظها. كما كثرت المحاصيل الزراعية في العصر العباسي، كالقمح والذرة والزيتون والكروم وقصب السكر والأشجار المثمرة والخضر، وبعضها جلب من أماكن مختلفة من العالم.
وقد نوه المسعودي بأنه كان للخليفة القاهر بالله (320-322هـ) قصراً ألحق به: "بستان من ريحان، وغرس فيه النارنج، وحمل إليه من البصرة وعُمان ما حمل من أرض الهند، وقد اشتبكت أشجاره، ولاحت ثماره كالنجوم، من أحمر وأصفر، وبين ذلك أنواع الغروس والرياحين والزهر، وقد جعل مع ذلك البستان أنواع الطيور من القماري والدياسي والشحارير والببغاء، مما قد جلب إليه من الممالك والأمصار، وكان في غاية الحسن".
ولا شك أن العرب قد أبدعوا في هذا العصر في إنشاء القصور والحدائق الغنّاء، والاعتناء بها وسقايتها، وزرعها بأنواع شتى من الورود والرياحين، ولا شك أنهم قد طوروا الحدائق الرافدية القديمة وخلقوا أسلوب فني جديد في تنسيق حدائقهم.
وقد دوَن العرب الشيء الكثير في المعاجم والكتب اللغوية مما يتصل بالفلاحة والنباتات والحيوانات الداجنة وغير الداجنة بل وحتى الحشرات. يضاف إلى ذلك ما ألف في علم النبات مثل: كتاب "الزرع" لأبي عبيدة معمر بن المثنى وكتاب "النبات" للأصمعي، وعلم الحيوان مثل: كتاب "الحيوان" للجاحظ، وعلم الفلاحة مثل: كتاب "الفلاحة النبطية" لابن وحشية الذي أرسى بشكل نهائي دعائم زراعة العصور القديمة والوسطى.
6ـ الزراعة في الأندلس:
كان للعرب دور كبير في إعمار الأندلس وتشييد النهضة الزراعية التي عمت البلاد، فهم الذين نقلوا الأساليب الزراعية المعروفة آنذاك في المشرق وسائر البلاد العربية والإسلامية، والتي تأثرت أوربا فيما بعد بتلك الأساليب واقتبستها وطورت على أساسها علومها الزراعية والنباتية.
فلقد نقل العرب زراعة المحاصيل الزراعية مثل: الزيتون والأرز والقطن وقصب السكر والنخيل والرمان والنارنج والمشمش والخوخ والكروم والبرتقال والخشخاش والشوندر وغيرها. وأن ما فعله العرب في الميدان الزراعي قد تخلد إلى الأبد لأنه خلف آثاراً لا تمحى في لغة الإسبان وغيرها من اللغات الأوربية، وإن الكثير من المحاصيل الزراعية لاتزال تحمل الأسماء العربية نفسها في هذه اللغات مع شيء لا يخفى من التحريف والتصحيف. لقد استطاع العرب أن يحولوا الأندلس إلى جنة خضراء. فلم يتركوا شبراً واحداً دون أن يزرعوه مستخدمين لذلك ما يعرف اليوم بوسائل الهندسة الزراعية، وبطرق علمية في الري، واستعمال جيد لأنواع الأسمدة لزيادة إنتاجية الأرض، وأنتجوا أنواع جديدة من الفواكه والأزهار، ومارسوا الدورة الزراعية بدقة فائقة، ووضعوا تقويماً ودستوراً زراعياً سمي "التقويم القرطبي"، وأبدعوا في طرق تطعيم النباتات، واستخدام العديد من الطرق في استعمال المبيدات في مكافحة الآفات الزراعية والتي تمكنوا من تصنيعها من مركبات كيماوية كمركبات الكبريت والزرنيخ، فقد أورد ابن بصال الطليطلي في كتابه "الفلاحة" طريقة ميكانيكية لمكافحة مرض أصاب أشجار البساتين في طليطلة، مع العلم أن طريقته استخدمت لأول مرة في العصر الحديث بأوربة وأمريكا عام (1923م) للقضاء على الحشرة القشرية على أشجار النخيل.
وكان لتشجيع الأمراء والخلفاء أثر كبير في ازدهار الزراعة وزيادة استغلالها، فأوصوا أن تكون الزراعة على أسس علمية صحيحة، كما أوصوا بأن يعامل المزارعون برفق، واعتبروا الموارد الزراعية ركن مالية الدولة، وبها تصبح البلاد أكثر أمناً واستقراراً وأرفع مكانة بين سائر البلدان، لأن الزراعة أساس مهم من أسس المدنية.
وحظيت العلوم الزراعية بعناية فائقة من قبل علماء الزراعة في الأندلس حتى بلغت في هذا المجال حداً من الكمال لم تبلغه في أماكن أخرى، فأقيمت البساتين والحدائق التي كان يشرف عليها هؤلاء العلماء فكانت بمثابة مختبرات فيها تجرى تجاربهم، وكان العرب يستعينون بأحدث ما ألف من الكتب في العلوم الزراعية، وبفضل توجههم بلغت الزراعة في الأندلس من التقدم أكثر مما بلغته في أوربا، بل إن أوربا اقتبست الأسس العلمية للتجارب الزراعية التي توصل إليها العرب في الأندلس. وما زالت العديد من المشاريع الزراعية الضخمة شاخصة آثارها إلى يومنا هذا، تلك الآثار التي أنشأها العرب في مختلف بقاع الأندلس. كما كان لأهل الأندلس الدور الأساسي في وضع أسس هندسة الحدائق والبساتين، وما زلنا نشاهد جمال وروعة هذه الحدائق وبراعة هندستها في غرناطة وإشبيلية وقرطبة وبلنسية والزهراء، والتي تحوي مختلف صنوف الشجر والورد والريحان الذي يدعو إلى التقدير والإعجاب.
ووضع العلماء العرب في الأندلس العديد من الكتب والمؤلفات الزراعية، ونخص بالذكر منهم: ابن العوام الإشبيلي(القرن 6هـ) الذي وضع كتابه " الفلاحة الأندلسية" على أساس علمي يجمع بين معارف العرب القديمة في الزراعة والنبات، وبين المعارف العميقة التي استفادها من تجاربه المباشرة. وقد ذكر ابن العوام طريقة الري بالتنقيط لأول مرة بالتاريخ والتي نسب اختراعها ـ اليوم ـ إلى العالم الغربي، وأشار ابن العوام في الباب السادس من كتابه بوضوح إلى هذه الطريقة. ولذلك لم يتردد المستشرق ماكس مايرهوف في القول بان كتاب ابن العوام ينبغي أن يكون أحسن الكتب في العلوم الطبيعية. ولأهمية هذا الكتاب فقد تمت ترجمته إلى اللغات المختلفة: كالفرنسية والإسبانية والتركية والأوردية ومقاطع منه إلى اللغة الإنكليزية، وكانت آخر طبعة لـه باللغة الفرنسية عام 1977م، الأمر الذي يؤشر لهذا الكتاب بالنسبة للعلوم الزراعية.
وأحدث العرب في الأندلس لأول مرة في التاريخ محكمة خاصة اهتمت بشؤون ومشكلات الري والمياه فقط في مدينة بلنسية سميت "محكمة المياه" التي مازالت تعقد حتى اليوم وتحافظ على تقاليدها ونظمها العربية.
وفيما يتعلق بجمع النباتات فإن هذه الغريزة أخذت شكل الولع الخاص بها، إذ صور هذا الولع بالنباتات تصويراً واضحاً في ضرب من القصائد الشعرية يسمى "الروضيات"، أو "قصائد الجنان" وكان الشعراء يتغنون بكل مظاهر البيئة المستحدثة اصطناعياً، التي تقف على طرف يناقض البيئة الطبيعية الجافة.
وتشير دائرة المعارف الإسلامية بان الأندلس ظهرت فيها أول الحدائق النباتية في (القرن 6هـ/ 11م)، وكانت تستعمل للنزهة وإجراء التجارب حول تكييف النباتات التي جلبت من الشرق، أما في أوربة فلم تظهر مثل هذه الحدائق إلا في (القرن 16م) في إيطالية التي اقتبست فكرتها من حدائق الأندلس.
وقد أطلق كثير من الحكام العرب العنان لرغباتهم وراحوا يجمعون في حدائقهم من النباتات كل نادر وغريب. مثلاً كان عبد الرحمن الداخل مغرماً بالأزهار والنباتات غراماً مفرطاً، وقد قام في حديقته بجمع النباتات الغريبة من بقاع مختلفة من العالم. وأرسل البعثات إلى بلاد الشام وإلى أجزاء أخرى من المشرق والمغرب للحصول على النباتات الجديدة والبذور. وفي القرن الرابع الهجري أصبحت الحدائق في قرطبة مراكز للبحوث النباتية الجادة، وشهدت الحدائق الملكية في الأندلس وفي مناطق أخرى النشاطات العلمية الجادة، إضافة إلى كونها أماكن للمتعة والترويح، أي امتزج العلم بالفن.
وبلغ إعجاب بعض الحكام والأمراء بأنواع من الزهور والرياحين أن كانوا يحرمون على غيرهم زراعتها، أو التمتع بها وبعطرها الشذي، وبلغ التفنن في تنسيق الحدائق أيضاً أنه اختصت كل حديقة من الحدائق العربية الأندلسية بنوع معين من الأزهار والرياحين، مثل البنفسج أو النرجس أو الورد أو النسرين أو الياسمين أو المنثور وغيرها.
لقد أنشئت الحدائق العربية الأندلسية على شكل فناء أو صحن كبير، يحيط به القصر، ولا يمكن الوصول إليه إلا من باب القصر فقط، نظراً لكثرة الحروب الأهلية والثورات الداخلية.
واستعمل الماء كعنصر أساسي في الحديقة العربية الأندلسية، فشيدت القنوات الضيقة المبطنة بالقاشاني المزخرف، وهي تمتد على المحور الوسطي للفناء أو للصحن. و ملئت الحدائق بنباتات الأصص ذات الأشكال المختلفة والألوان الجميلة، ورصفت هذه الأصص على سور الحديقة وفي أماكن منعزلة، وعلى مسافات متساوية من أجل التمتع بها في الحدائق وخاصة الصغيرة منها. وزخرفت المنشآت المعمارية كأحواض الماء والنافورات والأرائك، وأرضية الأقنية والقباب بالقاشاني الملون والزخارف والنقوش الملونة وبأشكال هندسية جميلة.
ومع تقدم الزمن نحتت التماثيل، واستخدمت في إنشاء النافورات المختلفة الأشكال، ولكن العرب المسلمون تعمدوا تشويه هذه التماثيل احتراماً للدين.
وكانت الحديقة الأندلسية فرصة للأوربيين لاقتباس ما يريدون من تصميمها، وهندستها، بعد أن أذهلتهم روعة جمالها ودقة تنسيقها.
7ـ الزراعة عند العرب في العصور الحديثة:
يمكن الاستنتاج أن المعلومات الزراعية كانت وافرة عند العرب عبر التاريخ وخاصة في العصور الوسطى، وقد تجلت هذه المعرفة الزراعية في المعلومات الأولية التي عرفها المزارع العربي مثل: علم المياه وإدارة الأراضي الزراعية وعلم المناخ وغيرها، وفي المعلومات الزراعية البحتة مثل: علم التربة والبيئة النباتية وأساليب الري المختلفة والغرس والمكافحة والتسميد..، وجميع الأعمال المتعلقة بالعناية وطرق تحسين الزراعة والنبات والقطاف والحصاد.
إن الهدف الأساسي من هذه المقالة هو ربط الماضي الزراعي بالحاضر المعاصر الذي يشمخ بتطوره الزراعي الهائل، وحث الأجيال على الاطلاع والأخذ بالعبر والنواحي القيمة من ذلك التراث الذي وضع الأسس النظرية والتطبيقية في أهم مجال من مجالات ديمومة الإنسان وبقائه وبالتالي بناء الحضارة الإنسانية على وجه المعمورة.
ويجب أن نواكب الركب الحضاري ولا نتخلف عنه، فنبدأ من حيث انتهى الآخرون ونطبق أحدث ما وصلوا إليه من تقنية ونطوعها لظروفنا المحلية وبخاصة في مجال الزراعة لتحقيق اكتفاء ذاتياً من الطعام الذي بات متحكماً في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية. ولكن يجب أن ننقل إلى علومنا ومعارفنا الإنسانية ما يفرضه علينا تراثنا العربي الذي نبع من أرضنا وبيئتنا وظروفنا الطبيعية بعد تطويره بما يتلاءم مع العصر.
الدكتور محمد هشام النعسان
لا ينكر فضل العرب على الأمم لما قدموه من علوم مختلفة ساعدت على بناء الحضارة الإنسانية الحالية. فمن العلوم التي اهتم العرب وأبدعوا فيها هو علم الزراعة الذي أثبت العلم الحديث صحة وأهمية المعلومات والنظريات التي ذكرها العلماء العرب في مؤلفاتهم. وهذا يدل على أن العرب هم أول من فكر بأن الزراعة ليست مجرد وضع البذور في الحقل والانتظار لحين الحصول على المحصول بل يتعدى إلى أبعد من ذلك بكثير أي كل مالـه علاقة بالإنتاج النباتي والحيواني. ومن الأمور الجليلة للعرب أنهم أول من اعتبر الزراعة عدة علوم وليس علم واحد قائم بذاته، بالرغم من أن هذا الرأي ابتدأ العمل به منذ القرن التاسع عشر في الغرب والادعاء به لنفسه، وعليه سنحاول في هذه المقالة توضيح ذلك من خلال استعراض ما قدمه العرب في مجال الزراعة.
2ـ بدايات الزراعة عند العرب قبل الميلاد:
ظهرت الزراعة قبل ما يزيد على 8000 سنة وتطورت في عدة أماكن من الوطن العربي (كالجزيرة العربية، وبلاد مابين النهرين، ووادي النيل، وبلاد الشام)، ففي سهول هذه الأماكن وتحت ظروف المناخ الجاف بدأ أجدادنا العرب باستغلال التربة لانتاج المحاصيل الزراعية عن طريق بعض الزراعات المروية.
وتشير الآثار الحضارية أن الإنسان العربي ومنذ فجر التاريخ كان بارعاً بالزراعة والأسس التي تحتاجها كأدوات الحراثة والإرواء، فلقد اخترع المحراث الأول والباذرة اللذان مهدا إلى ظهور المدنية والتطور الحضاري في الوطن العربي، وكان الإنسان العربي أول من استنبط أفضل سبل الزراعة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج، ولم يكتف بهذا الحد وإنما أخذ يحاول فهم ما يحدث في الأرض والنبات والمناخ من عمليات تؤثر على الإنتاج الزراعي، ونتيجة لذلك أصبحت قطاعات كبيرة من المجتمع جاهزة لأن تقوم بأعمال أخرى غير الزراعة، كالعمران، والتجارة، والصناعة، والحرف الأخرى، وهذه الأعمال أدت إلى بزوغ شمس الحضارة.
واستطاع الإنسان العربي أن يصمم ببراعة حدائق عظيمة وصفها الرحالة والعلماء اليونانيون قبل العرب كحدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع وحدائق اليمن التي ذكرها القرآن الكريم.
لقد دلت الأبحاث العلمية والمستندات الأثرية أن الجزيرة العربية منذ عشرة آلاف سنة لم تكن صحراء قاحلة ورمالاً حارقة بل كانت أنهاراً وغابات وبساتين حافلة بالسكان تنعم بمدنية وتجارة عظيمة وزراعة كثيفة وافرة. ويؤيد هذا الاستنتاج ما ورد في كتب الرحالة والمؤرخين اليونان والرومان من وجود أنهار طويلة في بلاد العرب كالذي ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت ودعاه (كورس) وما ذكره بطليموس وسماه (لار).
وفي بلاد مابين النهرين أظهرت إحدى الرسوم المنقوشة على الحجر محراث مثبت خلف عموده أنبوب ذو فوهة علوية واسعة تصب فيه البذور فيصل قعر الشق الذي يحدثه المحراث في الأرض، وهذا هو الأساس العلمي نفسه للباذرة الحديثة.
وتبين في السنوات الأخيرة أن سورية كانت واحداً من أهم مواطن نشوء الزراعة، إذ تشير الدراسات العلمية التي أجريت على نوى حبوب اللقاح، وغيرها من الشواهد، إلى حدوث ارتفاع في درجة حرارة الجو وزيادة في هطول الأمطار خلال الفترة المتأخرة من مرحلة العصر الحجري القديم، منذ ما يقرب من 15000 سنة من الوقت الحاضر. وتدل الشواهد الأثرية على أن أعداداً من السكان راحت تتزايد في الوقت ذاته تقريباً، إذ كان في سورية منطقتان، على الأقل، شهدت تطور الزراعة، وهما: وادي الفرات الأوسط، وحوض دمشق، ونحن نستمد الكثير من المعلومات عن هذه المرحلة من المواقع التي كشفت عنها حفائر "مشروع إنقاذ آثار الفرات" التي أجرتها الدائرة العامة للآثار بسورية.
3ـ الزراعة قبل الإسلام:
لم يقف سكان الجزيرة العربية ـ قبل الإسلام ـ مكتوفي الأيدي أمام التبعية لعوامل الطبيعة، فقد عملوا بدأب ونشاط، رغم المعوقات الطبيعية والاجتماعية والسياسية، على توسيع أعمال الري الاصطناعي، فحفروا الآبار في الوديان والواحات وبعض السهول الساحلية لاستثمار مياه الموارد الجوفية القريبة من سطح الأرض، وأقاموا الحواجز في مواضع تجمع مياه الأمطار في الأودية لتوزيع مياهها في أوقات معينة وبالحصص على المزارعين، وأنشاوا السدود ورمموا المتصدع منها، وشقوا أقنية ومجاري خاصة لأخذ مياه العيون والآبار والسدود لري الحقول والبساتين. وبذلوا ما وسعهم الجهد، في استثمار إمكانات التربة الخصيبة، حيثما توافرت. فأقاموا المدرجات على سفوح جبال اليمن لمنع التربة من الانجراف وابقائها صالحة للزراعة. واستغلوا أرض يثرب (المدينة المنورة) ذات التربة البركانية الغنية وحولوها إلى واحة طبيعية لزراعة النخيل والشعير، إذ كانت أرض يثرب ومنطقتها تقوم على الري الاصطناعي بصورة رئيسة، ذلك لأن الأمطار تسقط دون انتظام وفي فترات قصيرة، ولكنها تهطل بغزارة فتحدث سيولاً، وكان في المدينة شبكة ري واسعة، تقوم على استثمار المياه السطحية والجوفية، ممثلة في منظومة الأودية والآبار والحواجز والمجاري الاصطناعية. وتستخرج المياه من الآبار بالدلاء التي تسمى "السانية"، إذ كان الزراع العرب يستخدمون الثيران والجمال والحمير في متح الماء بالدلاء من الآبار الكبيرة الواسعة لري البساتين والحقول.
وكانت اليمن المنطقة التي تقدمت فيها الزراعة أكثر منها في أية منطقة أخرى. والحياة الحضرية في اليمن قديمة، تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد. وقد دعيت اليمن ببلاد العرب السعيدة وبـ" الخضراء" عند الجغرافيين العرب، وذلك لكثرة مزارعها ونخيلها وأشجارها وأثمارها ومراعيها ومياهها. وكانت الزراعة في اليمن تعتمد على مياه الأمطار والري الاصطناعي. ومما ساعد على رفع مستوى الزراعة وازدهارها في اليمن بناء منظومة واسعة من السدود والأحواض لحفظ مياه الأمطار الموسمية الصيفية الغزيرة وتوزيعها على الحقول والبساتين عند الحاجة. ويذكر الهمداني أن مخاليف اليمن ثمانين سداً أشار إليها بعض الشعراء بقوله:
وبالبقعة الخضراء من أرض يحصب ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً
ويعد سد مأرب العظيم من أهم موارد السدود التي اكتسبت شهرة في تاريخ اليمن والجزيرة العربية حتى اليوم، إذ كان يشكل العمود الأساسي لتنظيم الري الاصطناعي ولتطور الزراعة الكثيفة في العربية الجنوبية، وقد بني هذا السد بوادي "أذنة" لحفظ مياه الأمطار والسيول للإفادة منها في إرواء أراضٍ واسعة خصبة التربة، ولوقاية المزارع والقرى من أخطار السيول الجارفة. وقد عبر القرآن الكريم عن ازدهار الزراعة في اليمن نتيجة لبناء منظومات السدود والأحواض، بوصفه مسكن سبأ بأنه:" جنتان عن يمين وشمال" /سورة سبأ الآية15/. واشتهر اليمنيون بزراعة الحبوب والورس والسمسم والنخيل والكروم والأشجار المثمرة: كالرمان والأجاص والخوخ الحميري والقطن والخضر وغيرها.
واشتهرت وادي حضرموت وظفار بإنتاج اللُبان (البخور)، إذ كان الناس يزرعون هذه الأودية حيث يحفرون آباراً في قيعانها فيظهر الماء على أبعاد متفاوتة. وفي عُمان، انتشرت الزراعة في سهل الباطنة الساحلي، وفي واحات السفوح، وفي بعض الوديان الخصيبة التي تخترق نجد عُمان، ومما ساعد على ذلك وفرة المياه الجوفية كثيراً على سطح الأرض أو تستثمر بوساطة حفر الآبار التي تسمى "الأفلاج".
وكانت الطائف ذات مياه كثيرة وغزيرة، وتربتها خصبة، ومناخها لطيف في الصيف لارتفاعها وتفتحها للرياح الشمالية، وقد ساعدت هذه العوامل على قيام نشاط زراعي واسع، إذ اعتمد سكانها على الزراعة البعلية والمروية، واتخذوها مهنتهم الرئيسة، فزرعوا الحبوب والفواكه والموز والنخيل والكروم والبطيخ وغيرها، ولذلك لقبت الطائف بمدينة البساتين.
ومما يجدر ذكره أن أهل مكة المكرمة أنفسهم كانوا يملكون مزارع وحدائق وحوائط وآبار في المناطق المجاورة لها وخاصة منطقة الطائف والوديان الموجودة بين مكة وجدة التي كانت المزروعات تجود فيها.
واشتهر الأنباط بحفرهم الآبار، ولكن مياه الآبار كانت تكاد تكفي لشرب البشر وسقي المواشي. وهذا مادعا لإقامة بعض السدود الصغيرة على السيول والأنهار وإنشاء الأقنية والنواعير.
4ـ الزراعة في صدر الإسلام والعصر الأموي:
من الأقوال المأثورة التي قالها أحد المؤرخون الغرب عن العرب المسلمين الفاتحين، أنهم يهتمون عند فتح البلاد بشيئين في وقت واحد هما: " بناء المسجد وتنظيم الحقل ". و قال آخر " العرب عمال زراعة ورجال براعة، برعوا في سقي الجنان واخترعوا النواعير العجيبة، بل ووطنوا النباتات والأشجار الأفريقية والآسيوية في أوربا". لذلك فإن كل بلد فتحها العرب المسلمون اهتم فيها ولاتها بالزراعة والاقتصاد، وليس عجباً أن نرى تقدم هذه البلاد وانقلابها من خراب وفقر إلى حدائق غنّاء.
ولذلك قام المسلمون الأوائل في كل مكان بإنشاء جنات دنيوية يلمح فيها بريق الفردوس السماوي ونضارته التي وعد الله بها عباده الصالحين.
لقد بدأ الاهتمام الفعلي بالجوانب المختلفة للزراعة منذ استقرار الرسول العربي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، إذ أولى عناية فائقة لجوانب العملية الزراعية المختلفة، مثل المياه ووسائل السقي وإحياء الأرض، منطلقاً من توجهات القرآن الكريم، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من أحاديثه الكريمة إلى العناية بالزراعة والغرس، ومن ذلك قوله:" مامن مؤمن يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو بهيمة إلا كان لـه به صدقة"، "من أحيا أرضاً ميتة فهي لـه، ليس لعرق ظالم حق" /الترغيب والترهيب للمنذري/.
كما فرض الرسول عليه الصلاة والسلام على أهل اليمن فيما سقت السماء أو سقي غيلاً السيح والغرب الدلو. وبطبيعة الحال كان الاهتمام منصباً بالدرجة الأولى على القواعد والأسس العامة دون إهمال علاج الوقائع الجزئية بالتشريعات المناسبة. وقد حمل هذا المؤمنين على الاعتناء بأراضيهم الزراعية واستخراج خيراتها، فكانت الدولة توجه أكبر عنايتها إلى وسائل الريَ، فهي التي تنشئ القنوات وتبني السدود، وتسد ما يحدث من صدوع في سُرر الأنهار، وكانت منطقة الجزيرة في شمال العراق تعتمد في الري على مياه الأمطار، أما منطقة حرَان في الجزيرة الفراتية فحفر أهلوها بمعونة الدولة بعض الآبار الاصطناعية لإرواء مزارعهم، وأما منطقة الخابور فأفادت الكثير مما جرى في أرضها من العيون. وكان عمرو بن العاص لما فتح مصر شق بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب قناة بطول يقرب من مائة وخمسين كيلومتراً، كما بنى مقياساً للنيل بأسوان وآخر بدندرة، وظلت الحال على ذلك حتى دخلت مصر في طاعة الأمويين، فبنى عامل مصر من قبل الخليفة معاوية بن أبي سفيان مقياساً بأنصنا، وبنى عبد العزيز بن مروان مقياساً في حلوان، أما مقياس الروضة فيرجع إلى سنة(97هـ)، وذلك في عهد ولاية أسامة بن زيد، وقد جدد الخليفة المتوكل العباسي هذه المقياس في سنة (247هـ). ومقياس الروضة هو عبارة عن عمود من رخام أبيض مثمن الأضلاع، في موضع يصل إليه الماء عند انسيابه، وينقسم إلى اثنين وعشرين ذراعاً، والذراع مقسم إلى 24 إصبعاً، أما الإثنا عشر ذراعاً الأولى، فإن كل ذراع منها ينقسم إلى 28 إصبعاً.
وبلغ من عناية النظام الإسلامي بالزراعة والفلاحة أنه في حركة الفتوح على عهد الراشدين ومن بعدهم لم يتعرَض للفلاحين بشيء من الضرائب، فهذا أبو بكر عندما وجه خالد بن الوليد إلى فتح العراق يوصيه بألا يأخذ من الفلاحين والزرَاع أي شيء من المال، بل يقر الذين لم يحاربوا منهم ويكفل حمايتهم وحماية أراضيهم. وهذا عمر لما أمر عثمان بن حَُنيف وحذيفة بن اليمان بمساحة السواد، راعى في كل أرض ما تحتمله، ثم ألغى ضريبة النخل والكرَْم والرطاب وكل شيء من الأرض، كما يقول أبو يوسف في الخراج عوناً للفلاحين. ووجد عمر في العراق والشام بعد الفتح كثيراً من الأراضي التي جلا عنها أهلوها، فبقيت دون مالكين، فقرر اعتبارها "صوافي" تضم إلى بيت المال، وأنشأ يقتطعها لمن يتعهدها بالزراعة والغراسة، فسميت بالقطائع. ويبدو حرص الخلفاء على تنمية الزراعة من خلال رغبتهم الشديدة في استغلال الأراضي الزراعية وعدم تعطيلها، فلئن أقطع عثمان بعض هاتيك الأراضي فلأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها، ولهذا شرط على من أقطعها إياه أن يأخذ منه حق الفيء، كأنه جعل إقطاعه بمثابة الإجارة لا التمليك.
وفي العصر الأموي، اهتم خلفاء بني أمية بمسح الأراضي البائرة وبناء القناطر والجسور والسدود وإنشاء طواحين ونواعير الماء، ونشر عدد كبير من المحاصيل الزراعية الجديدة، وخاصة الحمضيات والقطن وقصب السكر والذرة البيضاء وأنواع الحبوب والبقول والأشجار المثمرة والكرمة والفستق والزيتون والنخيل، وبنوا في الريف والبادية قصوراً لهم، أحاطوها بالحدائق والبساتين، وغرسوا فيها مختلف أنواع النباتات المثمرة والمزهرة، واتخذ العرب في أيامهم الضياع وعمروا الأراضي الزراعية. فقد ساعدت الظروف المواتية ـ في عهدهم ـ الناس على الاعتناء بزراعة الأراضي وغراستها، اقتداءً بالخليفة الأموي الأول معاوية الذي لم يكتف بالبلقاء، وهي مزرعة كبرى كانت لأبيه من محصول تجارته في الجاهلية إلى بلاد الشام، بل راح يشتري من اليهود أراضيهم في وادي القرى، وينمي ممتلكاته الزراعية بوساطة إحياء الأراضي الموات.
وأصدر يزيد بن معاوية أمراً بشق قناة تصل نهر بردى بالأراضي العالية الواقعة شمال وشرق مدينة دمشق سميت باسمه. وفي خلافة هشام بن عبد الملك(105ـ125هـ) اهتمت الدولة بالخراج وإحصاء وارداته بدقة بالغة، ففي مصر مثلاً قام عبيد الله بن الحبحاب بتقدير ما يركبه النيل من عامر وغامر،لمساحة الأراضي وتحديد وظائفها، وإذا بهذه الأراضي تضرب بعد مساحتها رقماً قياسياً اقرب إلى الخيال، إذ بلغت مائة ألف ألف فدان ( الفدان يساوي تقريباً نصف هكتار). وفي العراق وجه الوالي خالد بن عبد الله القسري(105ـ120هـ) جلَ عنايته إلى الزراعة، فحفر الأنهار مثل نهر الجامع، وأصلح الجسور، وأقام القناطر مثل قنطرة الكوفة وقنطرة دجلة، وأنشأ السدود لمنع مياه دجلة من الفيضان. ومن الظواهر المهمة على عهد بني أمية أن القطائع قد كثرت وتنوعت، وأمست الأراضي الزراعية ملكاً أو كالملك لبعض الأشخاص والأسر بعد أن كانت من قبل ملكاً للدولة أيام الفتوح.
وكان لغوطة دمشق حظ وافر من عناية الأمويين، فنزلها رجال منهم وعمروا فيها القصور، وأنشئوا فيها البساتين والجنان المونقة ، وشقوا فيها الجدوال وعنوا باستثمارها واستنباتها، وكان معاوية بن أبي سفيان يقيم أحياناً بالغوطة. وقد تغنى بها الشعراء، وأعجب بها القاصدون إليها، حتى قال الخوارزمي: " إن جنان الأرض أربع : صغد سمرقند، ونهر الأبلة، وشعب بوان، وغوطة دمشق "، قال: أنه زارها كلها فكان في رأيه فضل غوطة دمشق على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن. وقال: " كأنها الجنة وقد زخرفت وصورت على وجه الأرض ".
وقد اشتهرت الغوطة بكثرة مياهها وتنوع أزهارها, وتنسيق بساتينها، قال عنها القزويني: " وهي كثيرة المياه، نضرة الأشجار، متجاوبة الأطيار، مونعة الأزهار، ملتفة الأغصان، خضرة الجنان، كلها بساتين وقصور، تحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ومياهها خارجة من تلك الجبال .. والغوطة كلها أنهار وأشجار متصلة".
5ـ الزراعة في العصر العباسي:
وجه خلفاء وأمراء وولاة العصر العباسي عنايتهم على تشجيع الزراعة، فنشطوا في حفر الترع والمصارف وإقامة الجسور والقناطر، وكانت الأراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات من أخصب بقاع الدولة العباسية. وكانت الحكومة تشرف على إدارتها إشرافاً مباشراً، وتعمل على تحسين زراعتها وتنمية مواردها. وامتدت في هذه الأراضي شبكة من القنوات والمصارف، حتى أصبحت قوية الخصب، تكثر بها المزارع والبساتين، وكانت تعرف بأرض السواد لكثرة مابها من الشجر والزرع والخضرة. ولما كان ماء الفرات لا يكفي لري أراضي السواد أو يساعد على خصبها، عمل أبو جعفر المنصور على تنظيم وسائل الإرواء بشق كثير من الجداول والقنوات، على حين أمكن الاحتفاظ بماء دجلة لإرواء الأراضي الواقعة على شاطئه الغربي وعلى ساحل الخليج العربي، كذلك مد المنصور قناة من نهر دجيل الذي يأخذ ماءه من دجلة وقناة أخرى من كرخايا الذي يأخذ ماءه من الفرات، ووصلهما بمدينة بغداد في عقود محكمة بالصاروج(وهو حجر كلسي) والآجر. فكان ماء كل قناة منها يدخل المدينة وينفذ في الشوارع والدروب والأرباض، ولا ينقطع صيفاً ولا شتاءً. وفي عهد هارون الرشيد قام وزراؤه بتحقيق رغباته في الإصلاح الزراعي إلى أبعد حد ممكن، فاحتفر وزيره يحيى نهر القاطول، واستخرج نهراً دعاه أبا الجند أنفق عليه عشرين ألف ألف درهم، وأمر بإجراء القمح على الحرمين، وبنى الحياضات والرباطات، وبلغت موارد الدولة في عهده " في كل سنة نحواً من خمس مائة ألف درهم من الفضة وعشرة آلاف ألف دينار من الذهب" حتى قالوا: إن الرشيد كان يستلقي على ظهره وينظر إلى السحابة المارة ويقول:" اذهبي حيث شئت فإن خراجك آت إليَ". ومن مظاهر اهتمام العباسيين بالزراعة كثرة الضياع، فكانت الضياع الخاصة، والضياع العباسية، والضياع الفراتية، والضياع المستحدثة، وحسبك أن الخيزران أم الهادي والرشيد كان لها من غلال ضياعها مائة ألف ألف وستون ألف ألف درهم.
وقد قامت عنى خلفاء بني العباس بالزراعة وفلاحة البساتين على دراسة عملية، بفضل انتشار المدارس الزراعية التي كان لها أثر كبير في إنارة عقول المسلمين، فتوسعوا في البحث النظري ودرسوا أنواع النباتات وصلاحية التربة لزراعتها، واستعملوا الأسمدة المختلفة لأنواع النبات. وسار الخلفاء العباسيون على سياسة حكيمة ترمي إلى عدم إرهاق المزارعين بالضرائب، وعنى بعض هؤلاء الخلفاء بوضع قواعد ثابتة لأنواع الخراج بحسب نوع المحصول وجودة الأرض، وراعوا خفض الضرائب إذا قل المحصول لسبب من الأسباب.
ولما كانت الزراعة تعتمد على الري، عني العباسيون بتنظيم أساليبه، وجعل الماء مباحاً للجميع، ولذلك عملوا على تنظيمه في مصر والعراق واليمن وشمال شرقي فارس وبلاد ما وراء النهر. وبلغ هذا النظام شاناً بعيداً من الدقة، حتى أن الأوربيين أدخلوا كثيراً من هذه النظم في بلادهم. كما عنيت الدولة العباسية بصيانة السدود والقنوات، وجعلوا عليها جماعة من الموظفين أطلق عليهم اسم المهندسين، ومهمتهم المحافظة على هذه السدود خشية انبثاق الماء منها. وقد جعل العباسيون لماء الري بمرو ديواناً أطلقوا عليه "ديوان الماء"، ويشرف على هذا الديوان موظف كبير يعاونه أكثر من عشرة آلاف عامل، وتودع في سجلاته مقادير خراج الأراضي على حسب نوع ريها، كما كانوا يعنون بإقامة مقاييس على الأنهار للوقوف على مقدار ارتفاع الماء وانخفاضه للاستئناس بذلك في فرض الضرائب. وكذلك كان العباسيون يعنون بحراثة الأرض وتسميدها واستخدموا لذلك الأبقار واهتموا بتربية الحيوانات، وخاصة البقر والجاموس الذي جلبوه من الهند، وتفريخ الدجاج وتربيته وحفظ الحمام في أبراج لوقايته من الأفاعي. والمحافظة على الثمار وحفظها. كما كثرت المحاصيل الزراعية في العصر العباسي، كالقمح والذرة والزيتون والكروم وقصب السكر والأشجار المثمرة والخضر، وبعضها جلب من أماكن مختلفة من العالم.
وقد نوه المسعودي بأنه كان للخليفة القاهر بالله (320-322هـ) قصراً ألحق به: "بستان من ريحان، وغرس فيه النارنج، وحمل إليه من البصرة وعُمان ما حمل من أرض الهند، وقد اشتبكت أشجاره، ولاحت ثماره كالنجوم، من أحمر وأصفر، وبين ذلك أنواع الغروس والرياحين والزهر، وقد جعل مع ذلك البستان أنواع الطيور من القماري والدياسي والشحارير والببغاء، مما قد جلب إليه من الممالك والأمصار، وكان في غاية الحسن".
ولا شك أن العرب قد أبدعوا في هذا العصر في إنشاء القصور والحدائق الغنّاء، والاعتناء بها وسقايتها، وزرعها بأنواع شتى من الورود والرياحين، ولا شك أنهم قد طوروا الحدائق الرافدية القديمة وخلقوا أسلوب فني جديد في تنسيق حدائقهم.
وقد دوَن العرب الشيء الكثير في المعاجم والكتب اللغوية مما يتصل بالفلاحة والنباتات والحيوانات الداجنة وغير الداجنة بل وحتى الحشرات. يضاف إلى ذلك ما ألف في علم النبات مثل: كتاب "الزرع" لأبي عبيدة معمر بن المثنى وكتاب "النبات" للأصمعي، وعلم الحيوان مثل: كتاب "الحيوان" للجاحظ، وعلم الفلاحة مثل: كتاب "الفلاحة النبطية" لابن وحشية الذي أرسى بشكل نهائي دعائم زراعة العصور القديمة والوسطى.
6ـ الزراعة في الأندلس:
كان للعرب دور كبير في إعمار الأندلس وتشييد النهضة الزراعية التي عمت البلاد، فهم الذين نقلوا الأساليب الزراعية المعروفة آنذاك في المشرق وسائر البلاد العربية والإسلامية، والتي تأثرت أوربا فيما بعد بتلك الأساليب واقتبستها وطورت على أساسها علومها الزراعية والنباتية.
فلقد نقل العرب زراعة المحاصيل الزراعية مثل: الزيتون والأرز والقطن وقصب السكر والنخيل والرمان والنارنج والمشمش والخوخ والكروم والبرتقال والخشخاش والشوندر وغيرها. وأن ما فعله العرب في الميدان الزراعي قد تخلد إلى الأبد لأنه خلف آثاراً لا تمحى في لغة الإسبان وغيرها من اللغات الأوربية، وإن الكثير من المحاصيل الزراعية لاتزال تحمل الأسماء العربية نفسها في هذه اللغات مع شيء لا يخفى من التحريف والتصحيف. لقد استطاع العرب أن يحولوا الأندلس إلى جنة خضراء. فلم يتركوا شبراً واحداً دون أن يزرعوه مستخدمين لذلك ما يعرف اليوم بوسائل الهندسة الزراعية، وبطرق علمية في الري، واستعمال جيد لأنواع الأسمدة لزيادة إنتاجية الأرض، وأنتجوا أنواع جديدة من الفواكه والأزهار، ومارسوا الدورة الزراعية بدقة فائقة، ووضعوا تقويماً ودستوراً زراعياً سمي "التقويم القرطبي"، وأبدعوا في طرق تطعيم النباتات، واستخدام العديد من الطرق في استعمال المبيدات في مكافحة الآفات الزراعية والتي تمكنوا من تصنيعها من مركبات كيماوية كمركبات الكبريت والزرنيخ، فقد أورد ابن بصال الطليطلي في كتابه "الفلاحة" طريقة ميكانيكية لمكافحة مرض أصاب أشجار البساتين في طليطلة، مع العلم أن طريقته استخدمت لأول مرة في العصر الحديث بأوربة وأمريكا عام (1923م) للقضاء على الحشرة القشرية على أشجار النخيل.
وكان لتشجيع الأمراء والخلفاء أثر كبير في ازدهار الزراعة وزيادة استغلالها، فأوصوا أن تكون الزراعة على أسس علمية صحيحة، كما أوصوا بأن يعامل المزارعون برفق، واعتبروا الموارد الزراعية ركن مالية الدولة، وبها تصبح البلاد أكثر أمناً واستقراراً وأرفع مكانة بين سائر البلدان، لأن الزراعة أساس مهم من أسس المدنية.
وحظيت العلوم الزراعية بعناية فائقة من قبل علماء الزراعة في الأندلس حتى بلغت في هذا المجال حداً من الكمال لم تبلغه في أماكن أخرى، فأقيمت البساتين والحدائق التي كان يشرف عليها هؤلاء العلماء فكانت بمثابة مختبرات فيها تجرى تجاربهم، وكان العرب يستعينون بأحدث ما ألف من الكتب في العلوم الزراعية، وبفضل توجههم بلغت الزراعة في الأندلس من التقدم أكثر مما بلغته في أوربا، بل إن أوربا اقتبست الأسس العلمية للتجارب الزراعية التي توصل إليها العرب في الأندلس. وما زالت العديد من المشاريع الزراعية الضخمة شاخصة آثارها إلى يومنا هذا، تلك الآثار التي أنشأها العرب في مختلف بقاع الأندلس. كما كان لأهل الأندلس الدور الأساسي في وضع أسس هندسة الحدائق والبساتين، وما زلنا نشاهد جمال وروعة هذه الحدائق وبراعة هندستها في غرناطة وإشبيلية وقرطبة وبلنسية والزهراء، والتي تحوي مختلف صنوف الشجر والورد والريحان الذي يدعو إلى التقدير والإعجاب.
ووضع العلماء العرب في الأندلس العديد من الكتب والمؤلفات الزراعية، ونخص بالذكر منهم: ابن العوام الإشبيلي(القرن 6هـ) الذي وضع كتابه " الفلاحة الأندلسية" على أساس علمي يجمع بين معارف العرب القديمة في الزراعة والنبات، وبين المعارف العميقة التي استفادها من تجاربه المباشرة. وقد ذكر ابن العوام طريقة الري بالتنقيط لأول مرة بالتاريخ والتي نسب اختراعها ـ اليوم ـ إلى العالم الغربي، وأشار ابن العوام في الباب السادس من كتابه بوضوح إلى هذه الطريقة. ولذلك لم يتردد المستشرق ماكس مايرهوف في القول بان كتاب ابن العوام ينبغي أن يكون أحسن الكتب في العلوم الطبيعية. ولأهمية هذا الكتاب فقد تمت ترجمته إلى اللغات المختلفة: كالفرنسية والإسبانية والتركية والأوردية ومقاطع منه إلى اللغة الإنكليزية، وكانت آخر طبعة لـه باللغة الفرنسية عام 1977م، الأمر الذي يؤشر لهذا الكتاب بالنسبة للعلوم الزراعية.
وأحدث العرب في الأندلس لأول مرة في التاريخ محكمة خاصة اهتمت بشؤون ومشكلات الري والمياه فقط في مدينة بلنسية سميت "محكمة المياه" التي مازالت تعقد حتى اليوم وتحافظ على تقاليدها ونظمها العربية.
وفيما يتعلق بجمع النباتات فإن هذه الغريزة أخذت شكل الولع الخاص بها، إذ صور هذا الولع بالنباتات تصويراً واضحاً في ضرب من القصائد الشعرية يسمى "الروضيات"، أو "قصائد الجنان" وكان الشعراء يتغنون بكل مظاهر البيئة المستحدثة اصطناعياً، التي تقف على طرف يناقض البيئة الطبيعية الجافة.
وتشير دائرة المعارف الإسلامية بان الأندلس ظهرت فيها أول الحدائق النباتية في (القرن 6هـ/ 11م)، وكانت تستعمل للنزهة وإجراء التجارب حول تكييف النباتات التي جلبت من الشرق، أما في أوربة فلم تظهر مثل هذه الحدائق إلا في (القرن 16م) في إيطالية التي اقتبست فكرتها من حدائق الأندلس.
وقد أطلق كثير من الحكام العرب العنان لرغباتهم وراحوا يجمعون في حدائقهم من النباتات كل نادر وغريب. مثلاً كان عبد الرحمن الداخل مغرماً بالأزهار والنباتات غراماً مفرطاً، وقد قام في حديقته بجمع النباتات الغريبة من بقاع مختلفة من العالم. وأرسل البعثات إلى بلاد الشام وإلى أجزاء أخرى من المشرق والمغرب للحصول على النباتات الجديدة والبذور. وفي القرن الرابع الهجري أصبحت الحدائق في قرطبة مراكز للبحوث النباتية الجادة، وشهدت الحدائق الملكية في الأندلس وفي مناطق أخرى النشاطات العلمية الجادة، إضافة إلى كونها أماكن للمتعة والترويح، أي امتزج العلم بالفن.
وبلغ إعجاب بعض الحكام والأمراء بأنواع من الزهور والرياحين أن كانوا يحرمون على غيرهم زراعتها، أو التمتع بها وبعطرها الشذي، وبلغ التفنن في تنسيق الحدائق أيضاً أنه اختصت كل حديقة من الحدائق العربية الأندلسية بنوع معين من الأزهار والرياحين، مثل البنفسج أو النرجس أو الورد أو النسرين أو الياسمين أو المنثور وغيرها.
لقد أنشئت الحدائق العربية الأندلسية على شكل فناء أو صحن كبير، يحيط به القصر، ولا يمكن الوصول إليه إلا من باب القصر فقط، نظراً لكثرة الحروب الأهلية والثورات الداخلية.
واستعمل الماء كعنصر أساسي في الحديقة العربية الأندلسية، فشيدت القنوات الضيقة المبطنة بالقاشاني المزخرف، وهي تمتد على المحور الوسطي للفناء أو للصحن. و ملئت الحدائق بنباتات الأصص ذات الأشكال المختلفة والألوان الجميلة، ورصفت هذه الأصص على سور الحديقة وفي أماكن منعزلة، وعلى مسافات متساوية من أجل التمتع بها في الحدائق وخاصة الصغيرة منها. وزخرفت المنشآت المعمارية كأحواض الماء والنافورات والأرائك، وأرضية الأقنية والقباب بالقاشاني الملون والزخارف والنقوش الملونة وبأشكال هندسية جميلة.
ومع تقدم الزمن نحتت التماثيل، واستخدمت في إنشاء النافورات المختلفة الأشكال، ولكن العرب المسلمون تعمدوا تشويه هذه التماثيل احتراماً للدين.
وكانت الحديقة الأندلسية فرصة للأوربيين لاقتباس ما يريدون من تصميمها، وهندستها، بعد أن أذهلتهم روعة جمالها ودقة تنسيقها.
7ـ الزراعة عند العرب في العصور الحديثة:
يمكن الاستنتاج أن المعلومات الزراعية كانت وافرة عند العرب عبر التاريخ وخاصة في العصور الوسطى، وقد تجلت هذه المعرفة الزراعية في المعلومات الأولية التي عرفها المزارع العربي مثل: علم المياه وإدارة الأراضي الزراعية وعلم المناخ وغيرها، وفي المعلومات الزراعية البحتة مثل: علم التربة والبيئة النباتية وأساليب الري المختلفة والغرس والمكافحة والتسميد..، وجميع الأعمال المتعلقة بالعناية وطرق تحسين الزراعة والنبات والقطاف والحصاد.
إن الهدف الأساسي من هذه المقالة هو ربط الماضي الزراعي بالحاضر المعاصر الذي يشمخ بتطوره الزراعي الهائل، وحث الأجيال على الاطلاع والأخذ بالعبر والنواحي القيمة من ذلك التراث الذي وضع الأسس النظرية والتطبيقية في أهم مجال من مجالات ديمومة الإنسان وبقائه وبالتالي بناء الحضارة الإنسانية على وجه المعمورة.
ويجب أن نواكب الركب الحضاري ولا نتخلف عنه، فنبدأ من حيث انتهى الآخرون ونطبق أحدث ما وصلوا إليه من تقنية ونطوعها لظروفنا المحلية وبخاصة في مجال الزراعة لتحقيق اكتفاء ذاتياً من الطعام الذي بات متحكماً في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية. ولكن يجب أن ننقل إلى علومنا ومعارفنا الإنسانية ما يفرضه علينا تراثنا العربي الذي نبع من أرضنا وبيئتنا وظروفنا الطبيعية بعد تطويره بما يتلاءم مع العصر.
الدكتور محمد هشام النعسان
مواضيع مماثلة
» تاريخ تطور الزراعة
» الزراعة النظيفة في الصحراء
» الزراعة العضوية
» تعلم الفلاحة و الزراعة
» الزراعة في القرآن والسنة
» الزراعة النظيفة في الصحراء
» الزراعة العضوية
» تعلم الفلاحة و الزراعة
» الزراعة في القرآن والسنة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين أبريل 13, 2020 4:36 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» ماكينات التفريخ الايطالي
الثلاثاء فبراير 11, 2020 5:34 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» خلاط العلف
الثلاثاء يناير 28, 2020 2:40 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» خلاط العلف
الثلاثاء يناير 28, 2020 2:38 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» مدشة العــلف
الأحد أكتوبر 13, 2019 5:42 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» سكين المجرشة
الخميس أكتوبر 10, 2019 6:12 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» ٌطع غيار مصانع الاعلاف من شركة كايرو تريد
السبت سبتمبر 28, 2019 7:53 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» العلف المحبب VS الفلاك
الخميس سبتمبر 26, 2019 6:15 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة
» خطوط انتاج الأعلاف تسليم مفتاح
الأربعاء سبتمبر 25, 2019 6:12 am من طرف كايرو تريد جروب للتجارة